بسم الله الرحمن الرحيم
يسرني أن أقدم لكم مقدمة شاملة عن القانون رقم 25-14 المتعلق بقانون الإجراءات الجزائية المغربي، الذي يُعدّ إطارًا قانونيًا محوريًا ينظم مسار العدالة الجنائية من لحظة وقوع الجريمة حتى صدور الحكم النهائي فيها.
يُمثّل قانون المسطرة الجنائية، كما يُشار إليه غالبًا، العمود الفقري للعدالة الجزائية. فهو لا يقتصر على كونه مجرد نصوص قانونية تجمع بين المواد والأحكام، بل هو تجسيد لمبادئ العدالة والإنصاف وضمانة أساسية لحقوق الأفراد في مواجهة سلطة الدولة القمعية. ينطلق هذا القانون من رؤية متوازنة تهدف إلى تحقيق غايتين رئيسيتين: الأولى، حماية المجتمع عبر ملاحقة مرتكبي الجرائم ومحاكمتهم عقابًا على ما اقترفوه، والثانية، وهي الأهم، حماية حريات الأفراد وكرامتهم من خلال ضمان محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.
يُنظّم هذا القانون بدقة المراحل المتتابعة للدعوى العمومية، بدءًا من مرحلة البحث والتحري التي تلي علم السلطات المختصة (الشرطة القضائية) بوقوع الجريمة، حيث تُجمع الأدلة والقرائن وتُتخذ الإجراءات الأولية مثل التفتيش والضبط والتوقيف للنظر. ثم تأتي مرحلة التحقيق الابتدائي التي قد تليها إذا كانت الجريمة من الجنايات أو جنحة معقدة، حيث يتولى قاضي التحقيق، بناءً على طلب النيابة العامة، delve بشكل أعمق في ملابسات القضية، باستجواب المشتبه بهم والشهود، وإصدار أوامر بالقبض أو الإيداع في السجن أو الإطلاق بكفالة، وذلك بهرة التثبت من وجود أدلة كافية للمحاكمة.
بعد ذلك، تبدأ مرحلة المحاكمة أمام المحكمة المختصة (الابتدائية، الاستئنافية، أو الجنحية)، وهي المرحلة العلنية التي تتاح فيها الفرصة للدفاع عن المتهم وتقديم الأدلة والمرافعات، وينتهي هذا الطور بصدور حكم قضائي إما بالإدانة أو بالبراءة. وأخيرًا، يُنظّم القانون طرق الطعن في الأحكام، سواء كانت عادية (كالاستئناف) أو غير عادية (كالنقض)، لضمان مراجعة القرارات وتصحيح الأخطاء التي قد تشوبها.
ما يميز قانون الإجراءات الجزائية 25-14 هو تأكيده على ضمانات المحاكمة العادلة، التي تستند إلى المواثيق الدولية والدستور المغربي. ومن أبرز هذه الضمانات:
قرينة البراءة: كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
حق الدفاع: حق المتهم في الاستعانة بمحامٍ منذ المراحل الأولى للتوقيف للنظر، وحضور جلسات الاستجواب والمرافعة.
شرعية الإجراءات: يجب أن تكون جميع إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة مستندة إلى نص قانوني، وكل إجراء يخالف ذلك يُعدّ باطلاً.
احترام الكرامة الإنسانية: حظر التعذيب وسوء المعاملة، واعتراف المتهم الذي يتم انتزاعه بالإكراه لا حجة له.
باختصار، فإن قانون المسطرة الجنائية 25-14 هو مرآة عاكسة لتقدم الدولة القانوني. فهو ليس أداة لتطبيق العقاب فحسب، بل هو درع واقٍ للحريات، وسيف مسلط على الفساد والإجرام في آن واحد، ساعيًا إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن المجتمعي وضرورة صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
