في موضوعنا اليوم سوف نلجأ الى بعض التوضيحات الخاصة بالمعاملات القانونية اليومية، والتي يلجأ الأفراد إلى إبرام العقود لتوثيق التزاماتهم وحقوقهم، وتتنوع هذه العقود بين العقود الرسمية (المحررة بواسطة موثقين أو ضباط عموميين) والعقود العرفية (التي يحررها الأطراف بأنفسهم دون تدخل سلطة رسمية). في القانون الجزائري، يتمتع العقد العرفي بحجية قانونية معينة، لكنها تبقى محدودة مقارنة بالعقد الرسمي، مما يدفع الكثيرين إلى تحويله إلى عقد رسمي لتعزيز قوته الإثباتية وضمان حمايته أمام القضاء.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الحجية القانونية للعقد العرفي في التشريع الجزائري، مع التركيز على مدى اعتباره دليلًا كافيًا في النزاعات، ثم استعراض الإجراءات العملية لتحويله إلى عقد رسمي عبر التوثيق لدى الموثقين أو الجهات المختصة. كما سنتطرق إلى الآثار المترتبة على هذه العملية، سواء من حيث الضمانات القانونية أو الالتزامات الجبائية المرتبطة بها.
من خلال هذا الموضوع، سنسلط الضوء على الإطار القانوني المنظم لهذه الآلية، مستندين إلى نصوص القانون المدني الجزائري وقانون الموثقين 06-02، مع بيان الفروقات الجوهرية بين العقدين العرفي والرسمي، وأهمية التوثيق في تحقيق الاستقرار القانوني للمعاملات
مدى حجية العقد العرفي وكيفية تحويله إلى عقد رسمي في القانون الجزائري
مقدمة
يُعد العقد العرفي من الوسائل الشائعة لإثبات التصرفات القانونية، خاصة في المعاملات العقارية، رغم ما يطرحه من إشكالات قانونية تتعلق بحجيته ومدى قبوله في الإثبات أمام الجهات الإدارية والقضائية. وتكمن أهمية الموضوع في مدى إمكانية تحويل هذا العقد العرفي إلى سند رسمي مشهر يمكن البناء عليه قانونًا والتصرف بموجبه، لا سيما في ضوء التشريعات العقارية الحديثة التي تشترط الرسمية والإشهار.
تهدف هذه المقالة إلى بيان حجية العقد العرفي في القانون الجزائري، مع تفصيل السبل القانونية لتحويله إلى عقد رسمي مشهر، بحسب ما إذا كان العقار ممسوحًا أو غير ممسوح.
كما انه قبل شراء العقار فتأكد في المحافظة العقارية اذا كان العقار ممسوح "Cadastré " أو غير ممسوح "Non Cadastré" ، و يعتبر ممسوحا ابتداء من تاريخ تحرير محضر استلام وثائق مسح الأراضي العام من طرف المحافظ العقاري .
أولاً: ماهية العقد العرفي وحجيته القانونية
1. تعريف العقد العرفي
العقد العرفي هو اتفاق بين طرفين أو أكثر يتم تحريره دون تدخل موظف عمومي أو موثق، ويوقعه الأطراف بأنفسهم. وهو يختلف عن العقد الرسمي الذي يحرره موظف مختص كمحضر قضائي أو موثق ويكون مشهرًا لدى المحافظة العقارية.
2. حجية العقد العرفي
أقرّ القانون المدني الجزائري حجية العقد العرفي بشروط، خاصة ما نصت عليه المادة 328 التي تقر بأن العقد العرفي لا يحتج به على الغير من حيث التاريخ إلا إذا كان له تاريخ ثابت.
ويعد تاريخ العقد العرفي ثابتًا في الحالات التالية:
من يوم تسجيله لدى مصالح التسجيل والطابع.
من يوم ثبوت مضمونه في عقد رسمي.
من يوم التأشير عليه من طرف موظف عمومي.
من يوم وفاة أحد الأطراف الموقعين عليه.
كما نصت المادة 329 من نفس القانون على إمكانية الطعن في العقد العرفي بالإنكار أو الادعاء بالتزوير.
بالتالي، العقد العرفي لا يفقد قوته القانونية كليًا، بل تبقى حجيته محدودة أمام الغير، ولا تكون له أي قوة فيما يخص العقارات إلا بعد تحويله إلى عقد رسمي وإشهاره.
ثانيًا: التفرقة بين العقار الممسوح وغير الممسوح
1. إذا كان العقار ممسوحًا (Cadastré):
العقار الممسوح هو العقار الذي خضع لأشغال مسح الأراضي وتم إدراجه في السجل العقاري، ويُعتبر ممسوحًا من تاريخ تحرير محضر استلام وثائق المسح من قبل المحافظ العقاري.
في هذه الحالة، لا يمكن التصرف في العقار الممسوح بعقد عرفي أو بموجب الحيازة، بل يشترط الحصول على دفتر عقاري. وإذا كان الدفتر مفقودًا أو تالفًا، على المالك استخراج نظير منه من المحافظة العقارية، ثم التعاقد على العقار بشكل رسمي لدى موثق.
أما إذا كان العقار مدرجًا ضمن حساب العقارات غير المطالب بها، يمكن لحائز العقد العرفي تقديم طلب تسوية لدى مديرية الحفظ العقاري خلال أجل سنتين من تاريخ محضر استلام وثائق المسح، شريطة ألا يكون العقار من أملاك الدولة.
2. إذا كان العقار غير ممسوح (Non Cadastré):
هنا يمكن العمل بالعقد العرفي بشروط، وتحويله إلى عقد رسمي يتم إشهاره في المحافظة العقارية، لكن يتطلب ذلك توفر شروط قانونية دقيقة، منها:
الشروط القانونية لتحويل العقد العرفي إلى عقد رسمي:
أن يكون العقد العرفي ثابت التاريخ ومسجلاً قبل تاريخ 01/01/1971، بموجب مقتضيات الأمر 70-91 المؤرخ في 15/12/1970 المنظم لمهنة التوثيق.
أو أن يكون من العقود العرفية المسجلة خلال الفترة بين جوان 1983 وديسمبر 1992، والتي اعتبرها القانون ذات تاريخ ثابت استثناءً، كما نصت مذكرة المديرية العامة للأملاك الوطنية رقم 4618 بتاريخ 04/09/2004.
في هذه الحالات، يمكن للموثق تحرير عقد توثيقي بناءً على العقد العرفي، ثم يقوم بإشهاره لدى المحافظة العقارية ليصبح سندًا ناقلاً للملكية.
ثالثًا: حلول تسوية العقود العرفية غير القابلة للإشهار مباشرة
إذا لم يتوفر العقد العرفي على شروط الثبوت القانوني، يمكن تسويته بإحدى الطرق التالية:
1. طلب تحقيق عقاري وفق القانون 07-02 لسنة 2007
يتم تقديم طلب لمعاينة الملكية لدى مصالح الحفظ العقاري، مع ملء استمارة وإرفاق مخطط عقاري من طرف مهندس خبير. وبعد التحقيق، يُمنح سند ملكية إذا تبين أن العقار ليس من أملاك الدولة.
2. دعم الحيازة خلال مسح الأراضي
إذا أطلقت الدولة أشغال مسح الأراضي بالمنطقة، يمكن لصاحب العقد العرفي تقديمه كدليل دعم على الحيازة، وإذا ثبتت حيازته لمدة 15 سنة فأكثر، يمكنه الحصول على دفتر عقاري بعد الترقيم المؤقت.
3. اللجوء إلى القضاء
رفع دعوى قضائية لتثبيت الملكية أو للمصادقة على العقد العرفي، حيث يكون للقاضي سلطة القبول أو الرفض بعد التحقيق في صحة الحيازة وتاريخ العقد.
- لقد بينت المادة 328 من القانون المدني شروط حجية العقد العرفي التي نصت :
لا يكون العقد العرفي حجة على الغير في تاريخه الا منذ ان يكون له تاريخ ثابت ، ويكون العقد ثابت ابتداءً :
- من يوم تسجيله .
- من يوم ثبوت مضمونه في عقد اًخر حرره موظف عام .
- من يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص .
- من يوم وفاة احد الذين لهم على العقد خط و امضاء .
غير انه يجوز للقاضي تبعا للظروف ، رفض تطبيق هذه الأحكام فيما يتعلق بالمخالصة .
فإذا كان العقد العرفي متوفر على هذه الشروط ما على صاحبه إلا التوجه الى أحد مكاتب التوثيق ليصب محتوى هذا العقد العرفي في عقد توثيقي و يودعه في المحافظة العقارية و بعد اشهار هذا العقد يمكن حينئذ التصرف في العقار '' بيعه هبته أو رهنه ... '' .
راجع كذلك المواد 326 مكرر 2 ، 329 من القانون المدني .
خاتمة
يُعتبر العقد العرفي أداة ناقصة الأثر في المعاملات العقارية، ويحتاج لاستكمال شروطه القانونية حتى ينتج أثره الكامل، خاصة في ظل تنظيم دقيق للعقار في الجزائر، حيث أصبح الإشهار في المحافظة العقارية هو المعيار الأساسي لاكتساب الحقوق العينية العقارية.
لذا، يجب على كل من يرغب في شراء عقار أن يتحرى عن طبيعته (ممسوح أو غير ممسوح) ثم يتأكد من صلاحية العقد العرفي إن وُجد، والعمل على تحويله إلى عقد رسمي مشهر، سواء عن طريق الموثق أو من خلال التسوية القانونية أو القضائية، ضمانًا لحماية الحقوق وتفادي النزاعات المستقبلية.
.png)


%20(1).png)